بسم الله الرحمن الرحيم
تقاليد الأعراس في ليبيا
سأحاول – بإذن الله تعالي – أن أعطيكم بسطة عن تقاليد الأعراس في ليبيا خلال الفترة التي واكبتها منذ أن بدأت أعي ما يدور حولي في هذه الدنيا...
كانت الأعراس تبدأ رسميا يوم الاثنين وتنتهي رسميا يوم الخميس، وكل يوم من هذه الأيام يحمل اسما مميزا له عن الأيام الأخرى، وهذا الاسم مأخوذ من التقاليد التي تقام في ذلك اليوم، وقبل البداية الرسمية لأيام العرس تكون هناك بداية غير رسمية في يوم الأحد وبعد النهاية الرسمية يكون هناك امتداد لأيام العرس.
يوم الأحد:
وفيه تكون البداية، حيث تقام وليمة عشاء يدعى لها الأقارب والجيران والأصحاب المقربين، والوجبة الرئيسية لهذه الوليمة هي وجبة (الكسكسي) وهي إحدى أشهر الأكلات الشعبية في ليبيا، حيث تتجمع النساء في بيت العرس لتقوم بعملية (برم) الكسكسي، يوضع الكسكسي في إناء خاص يسمى (الكسكاس) مثقب من الأسفل، وفي إناء أخر وهو (الطنجرة) تعد (الطبيخة) هكذا تسمى، والطبيخة هي ما يعرف بالمرقة والتي تحتوي على اللحم والخضر، ثم يوضع الكسكاس على طنجرة الطبيخة، وتترك على النار حتى ينضج اللحم والخضر وكذلك الكسكسي الذي ينضج بالبخار الصاعد من الطنجرة.
يوم الاثنين (ويسمى يوم الرمي):
وهو اليوم الرسمي الأول من أيام العرس، وفيه تقام الوليمة الرسمية في احتفال العرس، ويدعى إليها عدد كبير من الناس؛ الأصحاب والمعارف وزملاء العمل وزملاء الدراسة... إلخ، أما بالنسبة للأقارب والجيران فهم من سيقوم بخدمة المعازيم في هذه الوليمة.
الوجبة الاعتيادية في يوم (الرمي) هي (البازين)، وهي وجبة – حسب ما أعلم – ينفرد بها المجتمع الليبي، ويتم إعدادها بشكل منظم، وإعدادها مشترك بين الرجال والنساء، ففي حين يقوم الرجال بطهو (الطبيخة) الخاصة بالبازين؛ تقوم النساء بطهو البازين نفسه.
وتقوم مجموعة من الرجال بإعداد الصواني لتسوية البازين التسوية النهائية، ويقوم بعضهم بعملية (التمليس) وهي عملية تدوير قطع البازين بحيث يصبح في شكل القبة (قبة المسجد) ليوضع بعدها في الصونية ويتم دهنه بالدهان المجمع من فوق الطبيخة وذلك حتى لا يجف ويتشقق قبل أن يقدم للمعازيم وتوضع حوله قطع البطاطا، واللحم بعدد خمس قطع، ثم يقدم للمعازيم الذين يجلسون خمسة خمسة في جلسة مستديرة، وجرت العادة بأن يؤكل اللحم أولا ثم بعدها تضاف الطبيخة، حيث يقوم كل منهم بخلط البازين بالطبيخة بأصابعه خلطا جيدا حسب رغبته مع إضافة قطرات الليمون وقرون الفلفل وتؤكل بشهية.
أما في بيت النساء فيتم إنزال الهدايا والـ(العلايق) التي أحضرها أهل العريس للعروس، وتقوم العروس بـ(حل العلاقة) أي فتح العلاقة لمشاهدة ما أحضره لها أهل زوجها من هدايا، وتسمي النساء هذا اليوم بيوم (حل العلاقة).
والعلاقة: وتنطق بالقاف كما ينطقها الأخوة في الخليج، هي عبارة عن (قفة) سلة مصنوعة من سعف النخيل، توضع بها الهدايا للعروس، وهذه الهدايا غالبا ما تكون: حنة، ومواد عطرية، وصابون، وملابس، وأحذية، والبدلة الشعبية المصنوعة من الحرير، إضافة إلى الذهب.... وغير ذلك، وغالبا ما تكون كل علاقة تحمل شيئا معينا من هذه الأشياء، ثم تقفل وذلك بخياطة قطعة قماش دائرية عليها، ولا يتم فتحها (حلها) إلا بيد العروس في يوم الرمي أو كما تسمية النسوة (يوم حل العلاقة).
يوم الثلاثاء (يوم الحنّة):
وفي هذا اليوم تجتمع النساء في بيت أهل العريس – وغالبا ما تكون من الأقارب والجيران والأصحاب – ثم يأتي الرجال بسياراتهم لنقلهن إلى بيت العروس، حيث تتحرك السيارات بنفس طريقة يوم الرمي، حتى يصلون إلى بيت العروس، وتستقبلهن النساء بالزغاريد والتصفيق، ويدخلوهن إلى المكان المخصص لهن، ثم يتم إحضار العروس لتقوم نساء أهل العريس بعملية الحناء والتي تكون قد تم عجنها وإعدادها مسبقا، وفيما تقوم بعض النساء بـ(تحنية: من الحنّاء) العروس تقوم البقية بالغناء والتصفيق صحبة صوت (الدربوكة: الطبل)، وتتبارز نساء أهل العروس وأهل العريس بالغناء (الشِّــتَّاوْ) في مدح وإظهار خصال كلا العروسين كل حسب الجانب الذي تنتمي إليه، فأهل العروس يمدحون العروس (اللي حازك مبروك يومه *** ما يخمم كان دار عزومة)، ويرد أهل العريس يمدحون العريس (الغالي كيف الطير الحر *** عزوماته ديمة في البر) وغيرها من الشتاوات التي تتفنن النساء في ابتكارها، كما يُقدم لهن خلال ذلك الطعام والمشروبات.
يوم الأربعاء (يوم كسر القرُّوش):
وهو يوم احتفالي للعروس مع رفيقاتها وصديقاتها، فإذا كان يوم الحنة يوم للنسوة والعجائز؛ فللفتيات يومهن الخاص بهن، حيث تجتمع الفتيات في بيت العروس للاحتفال معها بآخر يوم من أيام العزوبية، وكان في السابق يُؤتى للعروس بـ(قَرُّوش: إناء فخار قيشاني) لتقوم بكسره ربما اعتقادا منهم بكسر الحظ السيئ أو ما شابه ذلك، ولهذا السبب تسميه النسوة بيوم كسر القروش.
يوم الخميس (يوم الجحفة):
وهو يوم الزفة الذي تزف فيه العروس إلى عريسها، وبالنسبة للعريس فيقوم أصحابه باصطحابه إلى أحد المساكن ليتم تجهيزه وتلبيسه ليظهر في أحلى حلة، وعادة ما يصاحب هذه الاحتفالية الأخيرة وجبات دسمة من الشواء والفواكه والمكسرات، فيما يقوم حلاق محترف بعملية الحلاقة والتزيين للعريس، بينما يقوم بقية الأصدقاء بالترفيه عن العريس ربما للتخفيف من الارتباك الذي غالبا ما يصاحب هذه الأجواء.
وفي البيت يكون فريق الأقارب والجيران والأصدقاء قد أعدوا العدة لاستقبال العروس والموكب المرافق لها، فعادة ما يأتي مع العروس – إضافة إلى أهلها من الرجال والنساء – وفد كبير من جيران وأصدقاء العائلة لحضور الزفة في بيت العريس، فيستعد لهم أهل العريس بإقامة مأدبة كبيرة شبيهة بيوم الرمي، والوجبة المعتادة هي البازين بلحم الإبل، إلا أن عملية الأكل يوم الجحفة تنتهي بسرعة على اعتبار أن الضيوف يأتون في موعد واحد عند حضور موكب العروس والذي غالبا ما يكون قبل آذان المغرب بحوالي ساعة ونصف . وفي داخل بيت العريس تستقبل العروس من جانب أهلها الجدد بالزغاريد والغناء والتصفيق ويتم إجلاسها في المكان المخصص لها (الكوشة) حيث تمكث مع النسوة ما تبقى من الوقت قبل حضور العريس.
وبعد أن تنتهي مراسم وجبة العشاء يحضر العريس برفقة أصحابه ليجلس على الكوشة المخصصة له، فيتقدم له المهنئون في طابور طويل يهنئونه بالحياة الجديدة متمنين له حياة سعيدة وذرية صالحة، فيما يقوم أحد المرافقين له برشِّهم برائحة فواحّة كنوع من الشكر على حضورهم وتهنئتهم للعريس. وعند آذان المغرب يصطف الجميع للصلاة بما فيهم العريس الذي يكون قد تطهر وتوضأ قبل حضوره، وبعد الصلاة يأتي شخص ممن يجيد المدائح ويمسك بيد العريس ويبدأ بصوته الجهوري بالمدائح النبوية المألوفة في المنطقة: (بدأنا بسم الله.. وبصلاة الله.. على رسول الله.. وآله الأبرار...........) ويردد خلفه الحاضرون، ثم يبدأ في السير خطوة خطوة باتجاه بيت الزوجية حيث تكون النساء قد جهزن العروس وأدخلْنها إلى دارها وغادرْن المنزل، وعند وصول العريس إلى باب البيت.. يدخل ويبقى البقية خارجا، ويمكث العريس مع زوجته بضع دقائق، يسلم عليها ويدعو بالأدعية المأثورة في مثل هذه المناسبة ويصلي – إن شاء – ركعتين بزوجته، ثم يخرج... وبمجرد خروجه تنطلق أصوات البنادق (استبدلت الآن بالمفرقعات) معلنة انتهاء مراسم الزفاف، ويعود العريس إلى كوشته لتقبل التهاني من جديد، فيما يغادر أهل العروس إلى منزلهم لاستقبال المهنئين كذلك.
وبعد الانتهاء من تقبل التهاني يعود العريس من جديد إلى عش الزوجية ليقضي ليلته الأولى صحبة رفيقة دربه الجديدة. وبذلك تنتهي مراسم يوم الجحفة.
يوم الجمعة (يوم الصبحية):
وفي هذا اليوم يخرج العريس صباحا إلى أهله وأصحابه وأحبابه ليعاودا تهنئته من جديد، وتقدم خلال ذلك وجبة خفيفة عبارة عن (عصيدة بالسمن والعسل)، وغالبا ما يأتي للتهنئة؛ الأقارب والجيران والأصدقاء المقربين، ويستمر في استقبال المهنئين حتى موعد الجمعة حيث يدخل إلى بيته ويستعد للذهاب إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة.
وأشير إلى أن أغلبية هذه العادات والتقاليد قد تغيرت الآن، بعضها استبدل بأشياء أخرى جديدة ودخيلة على مجتمعنا، وبعضها تركه الناس، وتقلصت أيام الفرح – كما أشرت في بداية الموضوع – وتغير يوم (القروش) إلى يوم (الحفلة) بمعناها الحديث، واختفى يوم الأسبوع، و صار يوم الصبحية (عشوية) إن صح التعبير بعد أن صار العريس لا يخرج إلى الناس إلا (العشية) بعد العصر، وإن خرج قبل ذلك فهو لغرض أداء صلاة الجمعة لا أكثر.
وفي ختام الموضوع أرجو أن يكون قد نال إعجابكم ورضاكم، صحيح هو موضوع طويل ولكنه بالكاد يعطي صورة بسيطة عن تقاليد الأعراس في ليبيا، ولا يفوتني أن أذكر أن التقاليد قد تختلف من منطقة إلى أخرى، فأعراس مصراتة قد تختلف عن أعراس طرابلس أو بنغازي أو مدن الجنوب الحبيب.
ولا يفوتني أيضا أن أتقدم بالشكر لزوجتي العزيزة التي استعنت بها لمراجعة الموضوع لنطمئن على صحة ما جاء به من معلومات – خاصة في الأمور النسائية. أرجو أن أكون قد وفقت في عرْضي هذا، وأرجو أن يرضى عني حارس المغارة ويفتح لي الباب ويطلق سراحي ويعطيني حريتي. وما توفيقي إلا بالله العظيم.
ولمن أراد الاطلاع على الموضوع بشكل آخر يمكنه تحميل ملف الوورد من المرفقات.
تحياتي: أخوكم مصراتي من المغارة