التلخيص والاختصار عند المثقف والكاتب

التلخيص والاختصار عند المثقف والكاتب

تفرض تطورات الحياة اليومية على الناس نمطية جديدة لم يعهدها آباؤهم أو أجدادهم؛ فالحديث المُطوَّل والمكرر الذي كان يسمح به وقت الفراغ الكبير لدى النساء والرجال، كان يسمح بتكرار قصة يعرفها الجميع في الشهر مرة أو مرتين، وقد يحضر أحدٌ في نصف سرد القصة فيطالب بإعادتها في نفس الليلة، وقد تكون المطالبة من الحاضرين أنفسهم إعادتها، فيعيدها الراوي بانتشاء.

ولم تكن الإطالة تقتصر على الحديث، بل كانت تشمل الأغاني والعتابة وغيرها من الفنون، فقد كان الحادي يطيل في رتم حداءه وهو يقود إبله، فالطريق طويل، والفراغ ممل، فيتحايل على تمضيته بلون من الغناء البطيء والمُعاد والمكرر، حتى يصل نهاية طريقه، ولا يفصلنا عن عهد (أم كلثوم) زمن طويل.

حتى في الأكل وإعداده، فكان تحضير وجبة يستدعي ساعات طوال أو حتى يوما بأكمله. ونقوش السجاد، وحياكة الملابس وغيرها لا تخرج عن ذلك.

في الثقافة والمثاقفة والقراءة، كان المثقف يقرأ كتاباً عدة مرات، ويستعيره من لا يستطيع شراء نسخة، ويجلس المثقفون أسابيع وهم يناقشون ما كتب (جبران خليل جبران) أو (المنفلوطي). وعندما كانت تقع يداك على كتابٍ في تلك الأيام، كنت ستجد آثار كثرة الاستعمال باديةً عليه بوضوح.

في هذه الأيام، ضعفت همة المثقفين في شراء الكُتب، لارتفاع أثمانها أحياناً، ولندرة الفرصة في تداول ما جاء فيها، فتبدو القراءة وكأنها فقدت وظيفتها، وقد يصدف أحدنا أن يزور بيت أحد المثقفين، ويتصفح كتاباً من كتبه، فيكتشف أن ذلك الكتاب لم تُقلب صفحاته، خصوصاً تلك التي تلتصق أوراقه ببعض ولم تفصل بمقص المطبعة، والسبب نفسه، وهو خفوت همة المُثقف بقراءة الكتب التي يشتريها، حتى لو بقيت عادة شراء الكتب لديه!

لماذا ضعف الإقبال على مطالعة الكُتب؟

ليس من المُنصف أن ندعي أن ارتفاع سعر الكتاب هو السبب، فالمكتبات العامة (مكتبات البلديات ووزارة الثقافة والمدارس والجامعات والأندية والأحزاب) مليئة بالكُتب المُتاحة أمام القراء، ولكن ظاهرة عدم القراءة هي السائدة في هذه الأيام، لكن لماذا؟

1ـ لم يَعُد الكتاب أو المجلة أو حتى الجريدة، مصدراً أساسياً للمعرفة والتزود الثقافي، فقد غزت القنوات الفضائية ومنها الوثائقية والعلمية والمتخصصة في كل شأن، كل بيتٍ، وأخذت تقدم المعلومة المعرفية مدعمة بالصورة والصوت والمُحسنات الأخرى. كما لا يمكن تجاهل دور الإنترنت في كشف ما تجيزه وزارات الثقافة والرقابة الإعلامية أو لا تجيزه وهذا بدوره أثر في اتجاهات ثلاث:
أ ـ تراجعت فرصة المطلع على المادة المعرفية، في تقديم نفسه على أساس أنه مُجد في المطالعة واقتناء الكُتب، والتفرد بين أقرانه والمحيطين به، فنقصت همته في المحافظة على عادة القراءة واقتناء الكُتب لتطوير مهاراته.

ب ـ خلقت الوسائل الحديثة حالة من افتراض المُثقف أن المادة التي سيعرضها على الآخرين، لا بد وأن يكونوا قد اطلعوا عليها من مصادر إعلامية مختلفة، فلا يُجازف في إثارة تلك المواضيع، لا بين جلسائه ولا يحاول الكتابة بها.

ج ـ إن هذا الكم الهائل من المواد المعرفية المطروحة بالطرق الرقمية والإلكترونية، جعل المتصفحين وكأنهم زوار لمعرض به آلاف المعروضات، فلا يطيلوا المُكوث عند سلعة بل يخصصون وقتاً محدداً وقصيراً، وهنا تبرز أهمية التلخيص.

2ـ الكاتب المعروف والكاتب النكرة لهما دورٌ في اطلاع الآخرين على كتاباتهم أو الامتناع عن قراءة ما يكتبون. فالكاتب المعروف الذي تلاءم كتاباته ما يستقر في نفس القارئ، وتُعبر عما يجول في خاطره، فإن القارئ سيبحث عن إنتاجه أينما وجد (في مجلة، جريدة، كتاب، إنترنت، تلفزيون)، وقد يسافر مئات الكيلومترات ليستمع لمحاضرته. في حين أن الكاتب المعروف بمواقفه التي لا تتلاءم مع هوى القارئ وميوله، فإنه لن يتابعه، وإن قام بمتابعته فإنه سينتقي على عَجَلٍ، فقرة تحمل التأويل في ثناياها فيضيف عليها ما يبرر عداء الكاتب.

أما الكاتب النكرة، الذي لا يواظب على نوعٍ معين من الكتابة، وليس له حضور في مجالات التعريف بنفسه للقراء، وحتى لو كان كاتباً مثقفاً وماهراً وملتزماً، فإن إقبال القراء على متابعة ما يكتبه ستكون بمحض الصدفة.

3ـ بات الناس في وضع يجعلهم يعتقدون أنهم ملمُّون فيما سيكتبه الآخرون، فلماذا يضيعون وقتهم وأموالهم في اقتناء المطبوعات وملاحقة كُتَّاب لم ينتجوا شيئاً ملموساً في قرن من الزمان على الأقل، على مستوى التغيير السياسي أو دفع مجتمعاتهم ودولهم للحاق بغيرها من المجتمعات، وستكون مقاطعة الكُتاب والكُتب، كأنها عقوبة لعقم إنتاجهم!

قطيعة بين النُخب المثقفة وجمهورها

للأسباب التي ذكرناها، شكا الكُتاب والروائيون ودور النشر، من قلة مبيعات إنتاجهم الفكري والمعرفي. فعلى سبيل المثال، كان الجُهد المبذول في تحرير كتاب (صورة الآخر: العربي ناظراً ومنظوراً إليه) من قبل جمعية علوم الاجتماع في الوطن العربي كبيراً ومُهماً ومكلفاً، فاستضافة أكثر من خمسين عالم اجتماع من مختلف أنحاء العالم، (تذاكر سفر وإقامة وغيرها) ومناقشة بحوثهم، ليخرج الكتاب بعد جهد سبع سنوات. فقد ذكر وكيل دار النشر في بلد عربي أنه أحضر مائة نسخة لبلدٍ بالكامل، وأعاد معظمها لدار النشر بعد عدة سنوات! صحيح أن ثمن النسخة كان يبدو كبيراً (40 دولار) لكن نوعية الطباعة وحجم الكتاب (1100) صفحة، وقيمة الأبحاث أكبر بكثير من سعره.

أضفت حالة عدم تفاعل الجمهور مع الكُتاب ودور النشر، طابعاً مُضراً على المثقفين والمفكرين، فاعتزلوا الاختلاط بالجمهور، وتكوروا حول شللية فكرية أو ثقافية، وأخذوا يتندرون ويهزءون بجمهورهم، فحرموا من خاصية الاستشعار أي لملمة القضايا التي حولهم، وحرموا الجمهور من التحريض لدفعه للأمام.

من هنا تبرز أهمية ربط الوصل بين الكُتاب والجمهور من خلال التلخيص...

يتبع
 
أكثر الذين يحتاجون التلخيص

يحتاج الى فن التلخيص، كل من طلاب المدارس والجامعات، وكتاب ومراسلو الصحف والمجلات وأجهزة الإعلام، وموظفو الدولة وبالذات أولئك الذين يعملون بمحيط رأس الدولة والوزارات التي تحتاج الى معلومات يومية كثيرة، كوزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية، وأعضاء البرلمان، والذين يعتادون حضور الندوات والمؤتمرات، والمثقفون الذين يحملون رسالة ثقافية معينة.

الطلاب وفن التلخيص

لو اعتاد الطالب على فن التلخيص، فإن تلك العادة ستجعل منه قارئاً ممتازاً وكاتباً ممتازاً وخطيباً ناجحاً، وستختصر تلك العادة عليه الجهد والوقت وستساعده على تحصيل (درجات؛ علامات) النجاح العالية، وهذا لن يتأتى إلا مع توفر النقاط التالية:

1 ـ أن يكون قد هضم القواعد العامة للمادة التي سيقوم بتلخيصها. وهذا ما أطلقت عليه (كروبسكايا) نتوءات المعرفة. أي ارتباط المعلومات التي لا يعرفها (الحديثة) بمعلومات كانت قد رسخت في مخزونه المعرفي.

فإعادة تثبيت القواعد لأي مادة، مسألة في غاية الأهمية، وعلى الطالب عدم تجاوزها، وإلا فلا فائدة من تعلمه لفن التلخيص.

2 ـ أن يقرأ المادة قراءة أولية في وضع صحيح جداً، أي:

أـ أن لا يقرأ في وجود ضجيج أو ما يشتت انتباهه، كالتلفزيون أو الراديو أو بوجود أناسٍ يتسامرون حوله.

ب ـ أن لا يقرأ وهو يمشي، وتلك طريقة كان الطلاب يعتادون عليها، فسيكون الجهد مشتتاً بين حفظ توازنه ومراقبة ما حوله والاطلاع على صفحات الكتاب.

ج ـ أن لا يقرأ بصوتٍ عالٍ، تحت ذريعة إبعاد النُعاس والملل، فهذا سيجعله يستمع لصوته، أكثر مما يركز على ما يقرأ.

د ـ أن لا يقرأ وهو مضطجع، بل يجلس بوضع قائم على منضدته ومقعده، حتى يبتعد عن الإغفاء المفاجئ خصوصاً إذا كان حرارة الجو غير ملائمة (برد، أو حر).

3ـ أن يضع لكل فقرة عنواناً، في القراءة الثانية، ثم يعيد كتابة ما فهمه بلغته الخاصة (دون الالتزام بحرفية ما جاء بالكتاب).

4ـ أن يضع تلخيصه والذي يُفضل أن لا يزيد عن خُمس المكتوب أصلاً.

5ـ إذا استطاع أن يُلخص ما لخصه بخمسٍ آخر، فإنه سيصل لدرجة أكثر فائدة.

6ـ يعاود الطالب قبل منامه ما لخص مرتين، أو قبل موعد الامتحان في طريقه، أو عند الصباح.

البرلمانيون وأعضاء المؤتمرات والندوات

من المعروف أنه في المؤتمرات والاجتماعات المتخصصة كالبرلمانات ومؤتمرات الأحزاب وورش العمل المتخصصة، تكون جداول الأعمال معروفة سلفاً، ويسبقها بوقت ليس بقليل، إرسال أسماء المشاركين والمحاضرين وعناوين البحوث والأوراق للمشاركين، وتطلب بعض إدارات الندوات وورش العمل الفكري من المشاركين، إرسال مداخلاتهم أو مساهماتهم، وتقوم هي بدورها بإدراجها مع المراسلات للمساهمين وعلى المشارك أن يُراعي ما يلي:ـ

1ـ الانتباه للوقت المُخصص لمناقشة الموضوع ككل، ففي بعض الورش، والبرلمانات تُخصص جلسة مدتها ثلاث ساعات في أحسن الأحوال، والوقت الذي سيُعطى للمتكلم، سيكون عدة دقائق، يحرص فيها المتكلم أن يوصل فكرته ويحدث حالة من الإقناع لدى السامعين، في وقت قليل، وهنا عليه مراعاة ما يلي:ـ

أ ـ أن لا يبدأ بمقدمات بديهية حتى لا يستهلك وقته بها دون فائدة.

ب ـ أن يتجنب مداخلته بطرافة، تشتت موازنة المستمع بين التركيز على الفكرة، أو البحث عن مغزى النكتة، فيفتح باباً على نفسه غير مفيد.

ج ـ أن يتجنب ذكر الاستشهاد بالقصص أو الحكايات أو حتى القصائد وغيرها.

د ـ أن يوازن في سرعة أداءه، فلا يقطع كلماته ويصمت، أو يتكلم بها بسرعة كمراسلي المباريات الرياضية.

هـ ـ أن ينتبه لحالة المستمعين، فأحياناً يصدر بالقاعة ضجيج، من سعالٍ أو ضحكة جانبية أو كلام لم ينته من بعض المعلقين، أو حالة خروج أو جلوس وغيره، فهذا سيجعل من مداخلته غير واضحة المقدمة أو الفكرة الرئيسة.

2ـ أن تكون المداخلة خالية من المبني للمجهول، فلا يبدأها ب (يُقال وقيل، وطرق مسامعنا) بل يحرص على ذكر وقائع أو أقوال منسوبة لأصحابها، حتى لا يضيع من أهمية فكرته في جولات للتحقق من مصادرها أو نفيها على الفور، خصوصاً في جلسات البرلمان.

3ـ في الحالات التي توزع فيها المداخلات (سَلَفاً) على المشاركين، فعلى المُشارك تجنب تكرار ما ورد أو سيورد في تلك المُداخلات. وإن كانت المُداخلات فورية، فعليه الانتباه لعدم التكرار، وحذف ما كان يود ذكره، وقد ذكره الآخرون، حتى لو اقتضى ذلك إلغاء مشاركته.

4ـ أن لا يُبالغ في تبجيل وثناء إدارة الورشة أو رئاسة البرلمان، أو التثنية المبالغ في احترامها لأحد المتكلمين ممن سبقوه، فهذا يخلق جواً غير ودود مع الآخرين ممن لهم ملاحظات معينة. وبنفس الوقت، عليه عدم تسفيه ما ذكره غيره، حتى لو كان سفيهاً.

يتبع
 
أعلى